سورة الحج - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات.
وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حجّ فضل الحج على العبادات كلها، لما شاهد من تلك الخصائص، وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله، لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه، وقد حسن الكلام تحسيناً بيناً أن جمع بين قوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله}، وقوله: {على مَا رَزَقَهُمْ} ولو قيل: لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام، لم تر شيئاً من ذلك الحسن والروعة. الأيام المعلومات: الأيام العشر عند أبي حنيفة، وهو قول الحسن وقتادة. وعند صاحبيه: أيام النحر. البهيمة: مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام: وهي الإبل والبقر والضأن والمعز. {فكلوا} الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم، ويجوز أن يكون ندباً لما فيه من مساواة الفقراء ومواساتهم ومن استعمال التواضع. ومن ثمة استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث.
وعن ابن مسعود أنه بعث بهدي وقال فيه: إذا نحرته فكل وتصدّق وابعث منه إلى عتبة، يعني ابنه. وفي الحديث: «كلوا وادخروا وائتجروا»
{البائس} الذي أصابه بؤس أي شدة: و{الفقير} الذي أضعفه الإعسار.


{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
قضاء التفث: قصّ الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث: الوسخ، فالمراد قضاء إزالة التفث. [(وليوفوا)] وقرئ: {وليوفوا} بتشديد الفاء {نُذُورَهُمْ} مواجب حجهم، أو ما عسى ينذرونه من أعمال البر في حجهم {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج، ويقع به تمام التحلل. وقيل: طواف الصدر، وهو طواف الوداع {العتيق} القديم، لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن.
وعن قتادة: أعتق من الجبابرة، كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله.
وعن مجاهد: لم يملك قط. وعنه: أعتق من الغرق. وقيل: بيت كريم، من قولهم: عتاق الخيل والطير.
فإن قلت: قد تسلط عليه الحجاج فلم يمنع.
قلت: ما قصد التسلط على البيت، وإنما تحصن به ابن الزبير، فاحتال لإخراجه ثم بناه. ولما قصد التسلط عليه أبرهة، فعل به ما فعل.


{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
{ذلك} خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر والشأن ذلك، كما يقدّم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا. [(ومن يعظم حرمات الله)] والحرمة: ما لا يحل هتكه. وجميع ما كلفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج.
وعن زيد بن أسلم: الحرمات خمس: الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحلّ. {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} أي فالتعظيم خير له. ومعنى التعظيم: العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها. المتلوّ لا يستثنى من الأنعام، ولكن المعنى {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} آية تحريمه، وذلك قوله في سورة المائدة: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] والمعنى: أن الله قد أحلّ لكم الأنعام كلها إلاّ ما استثناه في كتابه، فحافظوا عل حدوده، وإياكم أن تحرّموا مما أحلّ شيئاً، كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك، وأن تحلوا مما حرم الله، كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك.
[(فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به)] لما حثّ على تعظيم حرماته وأحمد من يعظمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور؛ لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطواً. وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد، وذلك أن الشرك من باب الزور لأن المشرك زاعم أنّ الوثن تحق له العبادة، فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور، واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا شيئاً منه لتماديه في القبح والسماجة. وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان. وسمى الأوثان رجساً وكذلك الخمر والميسر والأزلام، على طريق التشبيه. يعني: أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة. ونبه على هذا المعنى بقوله: {رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] جعل العلة في اجتنابه أنه رجس، والرجس مجتنب {مِنَ الأوثان} بيان للرجس وتمييز له، كقولك: عندي عشرون من الدراهم؛ لأنّ الرجس مبهم يتناول غير شيء، كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والزور من الزور والأزورار وهو الانحراف، كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه. وقيل: {قَوْلَ الزور} [الحج: 30] قولهم: هذا حلال وهذا حرام، وما أشبه ذلك من افترائهم. وقيل: شهادة الزور. عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الصبحَ فلمّا سلّم قامَ قائماً واستقبلَ الناسَ بوجهه وقالَ: «عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ»
، وتلا هذه الآية. وقيل: الكذب والبهتان. وقيل: قول أهل الجاهلية في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق. فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير، فتفرق مزعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة. وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوّح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة. وقرئ: {فتخطفه} بكسر الخاء والطاء. وبكسر التاء مع كسرهما، وهي قراءة الحسن. وأصلها: تختطفه. وقرئ: {الرياح}.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9